أن تكره ما تحب

 الحضن اللعين

الأمر أصبح يخلو من كل شيء حتى أصبحت لا أدري أهو لذاته أم لأنني لا أستطيع الشعور بشيء؟


بعد أن تذوقت حلاوة الحضن وشعرت بما تحتويه من أمان صارت بالنسبة لي عملا روتينيا يخلو من أية عاطفة.

أصبح مجرد برتوكول، عند لقاء أحد في العمل أو في أي مكان، فقد الحضن معناه العميق الذي كان يمثله لي.

كنت قد جربت الحضن بعد جفاف عاطفي وشعرت بالاحتواء في أحضان ثلاث حتى فقدت ذلك بجمود ثم فتور ثم أصبحت لا أحبه.
الحضن الأول الذي جربته كان غريبا، شعورا ممزوجا بكل متضاد، ربما كانت دهشتي الأكبر هي كونه الأول، لم أكن أتوقع أن يكون الأمر هكذا، ظننت في البداية أن هذا بسبب مشاعري التي كانت مندفعة في وقتها ولكن مع التكرار كنت أجد راحة وطمأنينة، تهدأ أنفاسي ومعها أفكاري وأستطيع أن أترك العالم كله من خلفي وأن أحصل على قسط من الراحة، راحة من التفكير في كل شيء والتفكر.
في الحضن الثاني كنت أشعر بأن هناك من يتحمل سخافاتي فعلا دون مقابل، أجمل ما به هو أن أحدا لا يسألني عما بي.
لا أريد الحديث أو لا أستطيع! حسنا لا بأس سأحتضنك حتى تطمنئي.
سأحتضنك حتى تفنى الهموم وتعودي قادرة على مجابهة العالم من جديد.
أما الحضن الثالث فما زلت أشعر بكل تفاصيله كما لو أنه يحدث الآن، أشعر به كأنه يحدث للأبد.
كان مفاجئا ويحمل قدر العالم من الحنان والحب، كان يدل دوما على أن هناك من يهتم، هناك من يريدني دوما أفضل، كان يحمل رسالة متجددة على الدوام، رسالة تقول: لا بأس، ستصبح الحياة أفضل وسيكون كل شيء على ما يرام، سيكون كل شيء على ما يرام، لا تخشي أي شيء.

بالتدريج فقدت هذه الأحضان فالحياة لا تستقر على وضع، ومعها فقدت قدرتي على الشعور بأشياء كثيرة، حتى فقدت قدرتي على الشعور.
صرت أبحث دوما عن شعور مشابه لما أتذكره، ولكن في كل مرة أحتضن فيها أحدا أو يقوم أحدهم باحتضاني أشعر بأن الأمر أصبح يخلو من كل شيء حتى أصبحت لا أدري أهو الحضن لذاته أصبح لا يشعرني بأي شيء أم لأنني لا أستطيع الشعور بشيء أساسا؟

عدد غير قليل من الأصدقاء أخبرنني بأن حضني دافيء ويُشعرهم بالأمان والطمأنينة، كثيرا ما أخبرهم بأنه لا داعي لمنافقتي فأنا لا أشعر بشيء من ذلك فضلا عن أني لا أشعر بعطاء يصدر مني أثناء ذلك.
لا أدري حقا ما السبب في ذكرهم ذلك، لا بأس فأنا أحب العطاء دوما، سأحتضنهم كلما احتاجوا لذلك، الأمر أنني لا أشعر بشيء.
بل تعدى الأمر ذلك حتى أصبحت أكره الحضن.
بدأ الأمر بسبب برتوكول زملاء العمل الذين أقابلهم مرة أو مرتين في الأسبوع وفي كل مرة يقومون بالسلام عليّ واحتضاني، أقابلهم بالبرود الذي كثيرا ما يكون متعمدا ولكنهم يصرون على ذلك، حتى أصبح الحضن لا قيمة له، مجرد إجراء روتيني صباحي أو عند إنهاء صفقة سهلة كانت أو صعبة.
ثم مع محاولاتي المستمرة في البحث عن الحضن الذي أفتقده صار الأمر سخيفا ومليئا بالبرود ثم أصبحت أكره الأمر، فأنا أكره أنه أصبح متكررا بلا هدف أو مشاعر، وأكره أني لا أستطيع الحصول على الأمان الذي حصلت عليه سابقا.

ربما هذه هي اللعنة التي أعاني منها منذ خُلقت!

تعليقات